كيف نكتب بالمسمارية

على خط النقش المسماري

الكتابة المسمارية هي اسهل بكثير مما يمكن تصوره... اضافة لكونها عملية ممتعة ! المدونين المسماريين في السابق كانوا يبدأون بتعلم الكتابة منذ نعومة اظافرهم، لذا فلا يوجد لدينا وقت لاضاعته...

كل ما يلزمنا لتعلم الكتابة المسمارية هو بعض الصلصال "الطين الحري" ( او مادة مشابهه له طرية قابل للتشكيل) وقلم خاص مجهز بطرف مدبب – صلب على شكل "مخروط " حيث ان التشكيل المساحي لطرف القلم نفسه سيحدد سعة وحجم النقوش المسمارية المطبوعة، انظر الى الصورة رقم 1.

إحدى خصائص بساطة ادوات الكتابة السومرية هي أن عصا صغيرة رباعية الاطراف، تشبه تلك المستخدمة عادة للاكل في البلدان الآسيوية، بامكانها ان تعطينا نقوش مسمارية جميلة جداً :) هذا بدون شك إن اردنا العمل باسلوب الكُتّاب المسماريين القدامى، بواسطة استعمال نفس القلم المعمول به سابقا في بلاد الرافدين، وهنا سيلزمنا الحصول على قصبة ملائمة لغرض تقطيعها بالطريقة المناسبة.

بلاد الرافدين كانت مشهورة بنوعان من القصب: الاول هو فراغميتس اوستراليس (وهو شاسع الانتشار في مناطق الاهوار ولايزال موجودا ليومنا هذا في جنوب العراق)، و النوع الثاني هو اروندا دونكس ( ويصنف من نوع القصب الاعتيادي، انظر الصورة رقم 2). من بين نوعي القصب المذكوران فأن الصنف الثاني فقط يعد ملائما لصناعة قلم الكتابة المسمارية. يرجع اصل القصبة الاعتيادية الى منطقة حوض البحر الابيض المتوسط وقد انتشرت في المناطق المعتدلة وشبه الاستوائية والاستوائية. لذا إن صدف وتواجدنا في بلدان مثل تركيا والعراق وايطاليا او احدى الامريكيتين فلن نجد صعوبة في العثورعلى هذا النوع من القصب، او اذا صعب الامر فيمكن التوجه بسهولة الى اي مشتل او بستان قريب في المدينة لاقتنائه، خلافا لهذا وبطريقة بديلة يمكن لنا استعمال قصب الخيزران رغم كونه اصلب بكثير من القصبة الاعتيادية وسيصعب علينا بعض الشيء تقطيعه.

اذا حاولنا التمعن عن قرب بالالواح المسمارية الصغيرة يمكن لنا ان نلاحظ كيف ان الكُتاّب القدامى كانوا يتسعملون اقلام القصب بطريقة خاصة تُمَكّن سطح القصبة الخارجي، الناعم والمحكم، من إنتاج الوجه الايمن من النقش – ولهذا يبدو هذا الوجه من النقش ناعما ومقعرا ً بعض الشيء – بينما الجوانب الاخرى من القلم تلك الداخلية تعمل على انتاج الوجه الايسر و" رأس" النقش، وهذا سبب اعطائه الشكل المسطح وتواجد بعض الالياف بداخله ( الصورة رقم 3). يُرجّح سبب استعمال هذه التقنية الى رغبة القدامى بتكثيف استخدام السطح الخارجي للقصبة والذي، بكونه ناعما ومحكما، لم يكن يلتصق بالالواح الطينية المكتوب عليها: لهذا فأن الوجه الايمن من النقوش المسمارية هو الجانب الاكثر اتساعا.

في أرض بلاد الرافدين لم تكن هنالك طريقةُ واحدةُ "محددة او صحيحة" لتقطيع اعواد القصب بهدف الحصول على قلم الكتابة، وانما كانت توجد طرق عديدة وكثيرة لهذا الأمر. ومن الجدير ايضا بالذكر والملاحظة ان ليس كل اطراف القلم متساوية. فالكُتاب قديما كانوا يستعملون فقط اطراف معينة للقيام بعملية طباعة وأنتاج النقوش المسمارية ( الصورة رقم 4).

ألعامل الحاسم والاساس الذي يجب مراعاته في عملية الكتابة هو إن طباعة القلم على اللوح الطيني الطري ستتم بطريقة تجعل الجانب الناعم والمنحني منه هو مصدر الوجه الايمن من النقش المسماري الواحد (صورة 5). حيث ان حجم اتساع زاوية طرف القلم سيحدد لنا حجم اتساع (او" زاوية الانفتاح") للنقش نفسه. في هذه العملية لاتوجد زوايا "صحيحة" او "خاطئة" نظرا لان هذه الزاوية نفسها تتغير بحجم اتساعها بناءا على تغير الازمنة وتقاليد الكتابة ذاتها.

♫ هي يكفيك قليلا من الصلصال ( الطين الحري)

ان عملية تشكيل لوح طيني تشبه نوعا منا طريقة تحضيرعجينة البيتزا - والحل الافضل هو اتباع الوصفة السومرية القديمة التالية والتي يقارب عمرها 4000 عام:

“أقترب من هنا، سريعا، خذ طين الصلصال ثم اعجنه ومده على الطاولة، اصنع منه كرة دائرية ومن ثم قم بتشكيل اللوح الطيني.”

إن تحليل الهيكلية الداخلية للوح الطيني تكشف لنا في بعض المرات عن اسرارعملية معقدة تكمن في طوي ولف اوراق الصلصال المنفردة بشكل مستمر، نوعا ما بنفس طريقة تحضير لوح العجينة الورقي للطعام. ان نوعية الطين المستعمل في ذلك الوقت لصناعة الالواح كانت متنوعة، حسب نوع المواد الاولية المتوفرة حينها والطريقة التي كانت تحضر بها، وايضا بناءا على نوع النص المطلوب كتابته – ان الالواح ذات الطبيعة العابرة كان يتم صناعتها من الطين الخام الاعتيادي، بينما الطين الاكثر نقاهه كان يستعمل على سبيل المثال للالواح المخصصة للمكتبة الملكية. حتى شكل اللوح كان يختلف بناءا على نوع وصنف التقليد الكتابي في ذلك الوقت. عادة، كان الدارسين في ذلك الزمان يقومون بتشكيل الواح صغيرة تشبه اشكال العدس (ويقال لها يدوية) أي قابلة للحمل بكف اليد الواحد وهي ملائمة جدا للقيام بعمليات التدريب والتمرن على الكتابة ( صورة رقم 6).

واخيراَ، سنبدأ بالكتابة: العملية تكمن جوهريا بطبع حافة القلم المصنوع من القصبة داخل الطين الطري. الرموز تتجسد من تركيبات النقوش المسمارية وكل نقش يتم الحصول عليه من خلال عملية طبع منفردة للقلم.

هنالك ثلاثة انواع اساسية من النقوش المسمارية: النقش العامودي والنقش الافقي والنقش المنحرف. اضافة لهذا يوجد ايضا ما يقال له بالصنارة او المشبك والذي يمكن اعتباره ك "رأس" النقش المنحرف. لهذا فمن أجل العبور من نقش مسماري الى نقشٍ اخر يكفي تغيير وجهة القلم تماشيا مع اللوح والانحناء الذي يتم الطبع به على الطين. الحافة الرئيسية للقلم، اي تلك " الطويلة"، ستكون هي من تنتج المحور الاساسي للنقش – لذا وعلي سبيل المثال للعبور من نقش عامودي الى اخر افقي يكفي تدوير القلم ب 90 درجة وبالعكس.

إن الطريقة المثلى للتدريب على الكتابة المسمارية هي ان نعمل كما كان يفعل الكُتّاب القدامى: بداية ً نقوم بطبع سلسلة من النقوش المسمارية العمودية، ثم الافقية وبعد ذلك المنحرفة واشكال الصنارة، وبعد الانتهاء من هذا كله يمكننا حينها البدء بالرموزوالعلامات الحقيقية اوالصحيحة.

من ليس معتادا منا على التعقيد الموجود في المقاطع الاشورية (والتي تصل الى الاف الرموز) سيكون من المفيد له الاستعانة بقوائم ذات رموز- اساسية، منظمة حسب الابجديات الحديثة ( صورة 7). قائمتين منظمة بناءا على الابجدية اللاتينية والعربية يمكن تحميلها من هنا واخريات متوفرة على سبيل المثال هنا . وعلى صفحة الانترنيت هذه ( من اعداد C. MICHEL).

يمكن ايضا الاطلاع على مقدمات جميلة و وافية عن الكتابة المسمارية على صفحة اليوتيوب .... – على سبيل المثال صفحة ذات العنوان "ارفينج فينكل يعلمنا المسمارية" ( مع ارفينج فينكل، معد مجموعة الالواح المسمارية للمتحف البريطاني) و صفحة "الكُتّاب في بلاد الرافدين" ل ثيو فان دين هوت من المعهد الشرقي في شيكاغو.

بقليل من التمرينات سنكون قادرين على انتاج نقوش جميلة جدا... لكن طبعا ليست حقيقة، كما يشرحه لنا بطريقة ممتازة عمل الفنان جيريميا بيترسون "الخطاط الخزفي" واخرين ايضا ( صورة رقم 8).

... استمتع!